نصائح الأنبياء والعلماء للسلاطين والأمراء

موعظة أبي حازم لسليمان بن عبدالملك

مَرَّ سليمان بن عبد الملك بالمدينة وهو يريد مكة، فأقام بها أيامًا، فقال: هل بالمدينة أحدٌ أَدْرَك أحدًا من أصحاب النبي ﷺ؟ فقالوا له: أبو حازم…

فأرسل إليه، فلما دخل عليه، قال سليمان: يا أبا حازم، ‌ما ‌لَنا ‌نكره ‌الموت؟ قال: لأنَّكم أَخْرَبْتم الآخرة، وعَمَّرتم الدنيا، فكرهتم أن تنتقلوا مِن العُمْران إلى الخراب، قال: أصبت يا أبا حازم، فكيف القُدُوم غدًا على الله؟

قال: أما المُحْسِن؛ فكالغائب يَقْدَم على أهله، وأما المُسيء؛ فكالآبِق يَقْدَم على مولاه، فبكى سليمان، وقال: ليت شعري ما لنا عند الله؟ قال: اِعْرِض عملَك على كتاب الله، قال: وأي مكان أجده؟ قال: {إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم} [الانفطار: 14]، قال سليمان: فأين رحمة الله يا أبا حازم؟ قال: أبو حازم: رحمة الله قريبٌ من المحسنين…

قال: فأي القول أَعْدَل؟ قال: قول الحق عند من تخافه أو ترجوه، قال: فأي المؤمنين أَكْيَس؟ قال: رجلٌ عمل بطاعة الله ودَلَّ الناس عليها، قال: فأي المؤمنين أحمق؟ قال: رجلٌ انْحَطَّ في هوى أخيه وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره.

قال له سليمان: أصبت، فما تقول فيما نحن فيه؟ قال: يا أمير المؤمنين، أو تعفيني؟ قال له سليمان: لا، ولكن نصيحة تلقيها إلي، قال: يا أمير المؤمنين، «إن آباءك قهروا الناس بالسيف، وأخذوا هذا الملك عنوة على غير مشورة من المسلمين، ولا رضا لهم حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة، فقد ارتحلوا عنها، فلو شعرت ما قالوه، وما قيل لهم؟» فقال له رجل من جلسائه: بئس ما قلت يا أبا حازم، قال أبو حازم: «كذبت، إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه». قال له سليمان: فكيف لنا أن نصلح؟ قال: «تدعون الصلف، وتمسكون بالمروءة وتقسمون بالسوية»، قال له سليمان: كيف لنا بالمأخذ به؟ قال أبو حازم: «تأخذه من حله، وتضعه في أهله»، قال له سليمان: هل لك يا أبا حازم أن تصحبنا، فتصيب منا ونصيب منك؟ قال: «أعوذ بالله»، قال له سليمان: ولم ذاك؟ قال: «أخشى أن أركن إليكم شيئا قليلا، فيذيقني الله ضعف الحياة، وضعف الممات»، قال له سليمان: ارفع إلينا حوائجك؟ قال: «تنجيني من النار، وتدخلني الجنة»، قال سليمان: ليس ذاك إلي، قال أبو حازم: «فما لي إليك حاجة غيرها».

#نصائح_الأنبياء_والعلماء_للسلاطين_والأمراء

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *