قال الضياء المقدسي: سمعتُ بعض أصحابنا يحكي عن الأمير درياس المهراني؛ أنه كان دخلَ مع الحافظ إلى الملك العادل، فلما قضى الحافظ، جعل يتحدَّث مع بعض الحاضرين في أمر ماردين وحصارها، وكانَ حاصرها قبل ذلك، فسمع الحافظ كلامه، فقال: إيشٍ هذا! وأنت بَعْدُ تريد قتال المسلمين!! ما تشكر الله فيما أعطاك إمامًا؟
قال: وسكت المَلِك العادل، فما أعاد ولا بدى، ثُمَّ قام الحافظ وقمتُ معه، فلما خرجنا قلتُ لَهُ: إيشٍ هذا! نحن كنا نخاف عليك من هذا الرجل ثُمَّ تعمل هذا العمل؟ فقال: أنا إذا رأيت شيئًا لا أقدر أصبر.
وذكروا أن العادل قال: ما خفتُ من أحد ما خفتُ من هَذا، فقلنا: أيها المَلِك، هذا رجل فقيه، إيش خفتَ من هَذا؟ قال: لَمَّا دخل ما خُيِّل إليَّ إلَّا أنه سَبُعٌ يريد أن يأكلني، فقلنا: هذه كرامة الحافظ.
• وقال أبو بكر بن الطحان: كان في دولة الأفضل بن صلاح الدين قد جعلوا الملاهي عند درج جيرون، فجاء الحافظ فكسر شيئًا كثيرًا منها، ثم جاء فصعد المنبر يقرأ الحديث، فجاء إليه رسولٌ من القاضي يأمره بالمشي إليه، يقول حتى يناظره في الدُّفِّ والشبَّابة، فقال الحافظ: ذلك عندي حرام، وقال: أنا لا أمشي إليه، إن كان له حاجةٌ فيجيء هو، ثُمَّ قرأ الحديث، فعاد الرسول فقال: لا بُدَّ من مجيئك، قد بَطَلَتْ هذه الأشياء على السلطان، فقال الحافظ: ضرب الله رقبته ورقبة السلطان، قال: فمضى الرسول، وخفنا أن تجري فتنة، قال : فَما جاء أحد بَعد ذلك.
قال الضياء: وكان قد وضع الله لي الهيبة في قلوب الخلق.
(كتاب: نصائح الأنبياء والعلماء للسلاطين والأمراء (ص: 447-448))