المسلمون ونصرة قضايا الأمة – د. سالم الشيخي
هناك بعض الجهات التي تقوم بجمع المعونات بصورة علنية، لتشجيع الناس على فعل الخير.
وقد اعترض عدد من النّاس على هذه الطريقة؛ بِعَدِّها مخالِفةً لما عليه جمهور العلماء من أنّ صدقة السِّرِّ خيرٌ من صدقة العلانية.
والجواب: صحيح أن صدقة السر أفضل من صدقة العلانية، إلا أن العلماء ذكروا بعض الحالات التي تكون فيها صدقة العلانية أفضل من صدقة السر، ومن ذلك:
- أنّ إخفاء الصدقة هذا إنّما هو متعلق بالصدقة للفقراء؛ وذلك لما يتعلق بأثر صدقة العلانية السلبي في نفسيّة الفقير، أمّا ما سوى ذلك من الصدقات العامة فإنه لا يمكن إخفاؤها، ولذا قال ابن القيم رحمه الله: «تأمل تقييده تعالى بإيتاء الفقراء خاصة، ولم يقل: (وإن تخفوها فهو خير لكم)، فإنّ من الصدقة ما لا يمكن إخفاؤه؛ كتجهيز جيش، وبناء قنطرة، وإجراء نهر أو غير ذلك».
- أنّ إخفاء الصدقة هذا قد يكون مرجوحًا أمام مصلحة تتحقق بصدقة العلانية وتكون راجحة، لذا قال ابن كثير رحمه الله: «فيه دلالة على أنّ إسرار الصدقة أفضل من إظهارها؛ لأنه أبعد عن الرِّياء، إلّا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة؛ من اقتداء النّاس به، فيكون أفضل من هذه الحيثيّة».
بناءً على ما سبق فإن مثل حفل العشاء الخيري الذي يُقام لجمع التبرعات هو عملٌ صالح، ومصلحته راجحة على جمع التبرعات بصورة فردية سريَّة؛ وذلك للآتي: - أنّ الحكمة التي ذكرها العلماء فيما يتعلق بصدقة السرّ على الفقراء التي جاء النص بها هي: الحفاظ على ماء وجه الفقير، وأنّها أستر له وأبقى لكرامته الإنسانيّة؛ منتفيةٌ في جمع التبرعات والصدقات من قِبَل المؤسسات الإغاثيّة؛ إذ إنّ جمع التبرعات في العشاء الخيري لا يُذْكَر فيه اسم فقيرٍ بعينه.
- أنّ المصالح المترتبة على الإعلان عن أسماء المتبرعين وقدر تبرعاتهم أثْبَتَ الواقعُ أنّها مؤثرة جدًّا في حثّ النّاس على التصدّق.
بقي الخوف على المتصدِّق مِن الرِّياء وحبّ الظهور، وهو آفة متوقعة ومَفسدة يُخشى منها على المتصدّق، لكن يمكن أن تُعالج بالتذكير بالإخلاص عند بداية جمع الصدقات والإعانات.
وبناء على ذلك ينبغي الانتباه لخطورة القضاء على صدقة العلانية بحجة أفضليّة صدقة السر، بما يؤدي إلى انقطاع خيرٍ عظيم في أوساط المجتمع المسلم، ناتج عن عدم إشاعة الخير، وإحياء الاقتداء بأهل البر والصلاح في هذا الباب.
- للاطلاع على البحث كاملًا انظر كتاب: المسلمون ونصرة قضايا الأمة، للدكتور سالم الشيخي (ص: 170) فما بعد.